الخداع والتلاعب في الحوار العراقي - الامريكي
تستعد بعض وسائل الاعلام الرخيصة المدعومة من المنطقة الخضراء تحديداً، سواءً كانت عراقية او خليجية، الى تسويق مخرجات الجولة الرابعة من الحوار العراقي - الامريكي على أنها مكتسبات كبرى حصلت نتيجة عبقرية المفاوض العراقي، وهو التسويق الهابط نفسه الذي حصل في سنوات ما بين 2008-2011، حين جلست بغداد أيام وليالي تعزف اناشيد السيادة وتغني للاعياد الوطنية، إلا ان الحقيقة التي جرى الالتفاف عليها تفيد بان خروج الامريكان عسكرياً من العراق لم يكن يعني على ارض الواقع غير (انسحاب عسكري) وليس (جلاء احتلال)، او ما نستطيع ان نطلق عليه (خداع).
لقد خرج الجنود الامريكان من العراق فعلاً في عام 2011 بعد ان كان عددهم يتجاوز الـ120 الف جندي، إلا أن خروج تلك القوات لم يكن يعني تحرر العراق من الغزوة الرعناء التي قادتها واشنطن تحت كذبة عالمية مفضوحة عنوانها اسلحة الدمار الشامل، لكون الادارة الامريكية حين غزت العراق كانت تؤسس تحت هذا العنوان الكاذب الى هيمنة طويلة الأمد، ولذلك لم يكن وجودها العسكري في العراق هو المهم بالنسبة لها، وذلك لكونها أصلاً متواجدة في قواعد عسكرية استراتيجية ضخمة في المنطقة، خصوصاً في دول الخليج وتركيا، ولكن الاهداف الابعد بالنسبة لها، فضلاً عن ما يتعلق بطموحات وأمن اسرائيل، هو الهيمنة السياسية والاقتصادية بالكامل على بوابات غرب آسيا، وهو ما يعني بوابة المشرق العربي والمتوسطي، او المثلث الرابط بين (أفريقيا + اوربا + آسيا).
حين اغلقت الولايات المتحدة الامريكية قواعدها العسكرية في العراق عام 2011، وكانت اعدادها بالعشرات، حرصت على ان تبقي قاعدتها السياسية الأهم والاكبر في العالم، والمتمثلة بالسفارة الامريكية داخل المنطقة الدولية، التي تعرف بـ(المنطقة الخضراء)، مع العلم ان (المنطقة الخضراء) والتي تحمل اسم (Green Zone) تأسست بفضل خطط البنتاغون وليس الخارجية الامريكية، وهي اول قاعدة عسكرية افتتحها جنرال (جي غارنر) في العراق ثم نزل معه فيها فريق الدبلوماسيين الاميركيين الذي سيعملون فيما بعد تحت إدارة بول بريمر، لتبدأ عملية وضع الاساسات أو (مباني الهيمنة) الامريكية على العراق وعموم الشرق الاوسط.
لذلك يبدو من السذاجة والبلاهة والسخافة ان تتكرر مشاهد الخداع مرة اخرى في 2021 عبر فعاليات سحب القوات العسكرية، في الوقت الذي تبقى فيه كوادر الهيمنة المدنية تتحكم وتدير من تحت الطاولة جميع مفاصل الدولة العراقية، او بتعبير اخر، لا معنى للتحرر والسيادة في ظل وجود النفوذ المدني الامريكي حتى لو خرجت القوات المقاتلة أو الاستشارية، لان هذا التواجد، المبالغ به، والذي هدفه الهيمنة قد بقى، وسيبقى، ضد مفهوم الاستقلال والسيادة.
ان المباني السياسية والاقتصادية التي فرضتها واشنطن في العراق على جميع الملفات والقطاعات الوطنية العراقية هي الغاطس العميق للهيمنة الامريكية، وهي الهدف من وراء الغزو الذي حصل في عام 2003، وهذه المباني تتمثل بتحديد المسار الاقتصادي للدولة العراقية، والمسار الامني، وكذلك السياسات الداخلية والخارجية، والتحكم بالطاقة، فضلاً عن الموارد الطبيعية والثروات، وقرارات العراق الاقليمية .. الخ.
لذلك، ما سوف يجري في واشنطن على يد كاظمي ووزير خارجيته وسفيره وفريقه، إنما هو خداع للمرة الثانية، وان ما يطلق عليه (الحوار الاستراتيجي العراقي- الامريكي)، سينتهي الى بقاء الـ(CIA) في العراق، وهو الأكثر خطورة من عدة الاف من الجنود المحاصرين داخل القواعد العسكرية، كما أن بقاء سفارة امريكا في المنطقة الخضراء يعد اكثر ضرراً على سيادة العراق من قاعدة عين الأسد، ولا ينبغي ان ننسى وجودها في كردستان.
ان امريكا في العراق أسست لمباني هيمنة خطيرة وطويلة الامد منذ عام 2003، بل هي الاكثر خطورة من قواعدها العسكرية، وهي ما لم يستطع حلها المفاوض العراقي في 2008، فما بالكم بالمستفيدين منها حالياً، والذين هم في السلطة وهم انفسهم المفاوض في 2021.
الانسحاب العسكري لا يعني شيء إذا لم يرافقه (جلاء شامل).
من: سلام عادل